dimanche 25 mars 2012

الظغوط النفسية

مفهوم الضغوط النفسية:
   شاع استخدام هذا المفهوم في علم النفس والطب النفسي، حيث تم استعارته من الدراسات الهندسية والفيزيائية، حينما كان يشير إلى الإجهاد (Strain)، والضغط (Press)، والعبء (Load)، واستعار علم النفس هذا المفهوم في بداية القرن العشرين عندما انفصل عن الفلسفة وأثبت استقلاليته كعلم له منهج خاص به، وأيضاً جرى استخدامه في الصحة النفسية والطب النفسي على يد (هانز سيلاي) الطبيب الكندي في العام (1956م) عندما درس أثر التغييرات الجسدية والانفعالية غير السارة الناتجة عن الضغط والإحباط والإجهاد (الإمارة، ،2006 ).  وفي مجال علم النفس تعددت الآراء حول تعريفه، ولهذا فإن اتجاهات العلماء في دراسة الضغوط انقسمت إلى ثلاثة اتجاهات وهي:
- الاتجاه الأول:
  ينظر أصحاب هذا الاتجاه إلى الضغوط كمثير، وعلى هذا يكون الضغط هو أي حدث يدركه الفرد على أنه يمثل تهديداً له، ولهذا فهم ينظرون للضغط على أنه متغير مستقل، وأن المثيرات قد تكون داخلية تنشأ من داخل الفرد مثل الصراعات وقد تنشأ من الأحداث الخارجية الموجودة في البيئة المحيطة بالفرد، مثل وفاة شخص عزيز والبطالة والكوارث الطبيعية والحروب وغيرها (حسين وحسين، 2006، ص: 50).
   ولقد وجد العلماء أن مصادر الضغط ليست كلها ضارة أو ذات تأثير سلبي، فالضغط عند الفرماوي (1993) هو العنصر المجدد للطاقة التكيفية لكل من العقل والجسم، فإذا كانت هذه الطاقة يمكنها احتواء المتطلبات والاستمتاع بالاستثارة المتضمنة فيها، فإن الضغط يكون مقبولاً ومفيداً، أما إذا كانت لا تستطيع فإن الضغط لا يكون مقبولاً وغير مفيد (عبد المنعم، 2006، ص: 58).
ولذلك قام العلماء بتمييز نوعين من مصادر الضغط:
-   مصادر الضغط السارة: وتعد ضغطاً صحياً، والتي تؤدي إلى تحسن في جودة الحياة مثل أعباء منصب جديد أو الترقية لدرجة أعلى.  
-   مصادر الضغط المكدرة أو غير السارة: ويكون لها تأثير سلبي يفوق قدرة الفرد على التوافق، وتؤدي إلى تغيرات جسمية ومزاجية، ولذا يطلق عليها المشقة المحدثة للمرض، مثل وفاة شخص عزيز، أو الإصابة بمرض مزمن، أو التقاعد… الخ. (شويخ، 2007، ص: 135 – 136).
   وهناك ثمانية أنماط مختلفة للضغوط المهددة للفرد وحسب تحليل لازاروس وزملاؤه (1985) Lazarus عند تحليلهم لمقاييس الضغوط و المشقة، فأن هذه الأنماط الخاصة بالضغوط تسبب أضراراً جسمية ونفسية متعددة وحسب تفسير الفرد لهذه المصادر (32-431 :, p1990، Rathus).
1.       المصادر المنزلية: وتشمل إعداد وجبات والتسوق، وصيانة المنزل وترتيبه.
2.       المصادر الصحية: وتشمل الأمراض الجسمية والعلاج الطبي، والأعراض الجانبية له.
3.    مصادر ضغط الوقت: وتعكس مسؤوليات الفرد المتعددة في ظل عدم توفر الوقت الكافي.
4.   المصادر الداخلية: وتشمل النواحي النفسية للفرد مثل الشعور بالقلق والوحدة النفسية، والخوف، وغيرها من الاستجابات النفسية.
5.   المصادر المالية: وتعكس المسؤوليات والاهتمامات المالية مثل الراتب، وأعباء الدّين، وزيادة المصروفات عن الواردات.
6.       المصادر البيئية: مثل الاحتكاك بالجيران، والتعرض للجريمة، وضوضاء المرور، وغيرها.
7.   المصادر الوظيفية: وتعكس كل مصادر الضغط المرتبطة بالعمل، مثل عدم الرضا الوظيفي، وعدم تقبل المهنة، والصراعات مع الزملاء.
8.       المصادر المستقبلية: وتشمل الضرائب المتوقعة والتقاعد المبكر.
  ولعل من أبرز القائلين بهذا الاتجاه (الضغوط كمثير) هما هولمز وراهي
 (215-210 :, P1967Holmes & Rahe ).
  حيث شرعا في تحديد أحداث الحياة الضاغطة وأعدا نتيجة لذلك مقياساً لقياس تأثير أحداث الحياة الضاغطة على الأفراد.
  ولقد عَرَّفَ ريز (4 :, P1976 Rees,) الضغوط بأنها مثيرات أو تغيرات في البيئة الداخلية أو الخارجية على درجة من الشدة والدوام بما يثقل القدرة التكيفية للكائن الحي إلى حده الأقصى والتي في ظروف معينة يمكن أن تؤدي إلى اختلال السلوك أو عدم التوافق، أو الاختلال الوظيفي الذي يؤدي إلى المرض. وبقدر استمرار الضغوط بقدر ما يتبعها من استجابات جسمية ونفسية غير صحية.
 
- الاتجاه الثاني:
   ينظر علماء هذا الاتجاه إلى الضغوط على أنها استجابة لأحداث مهددة تأتي من البيئة، ولهذا فهيَ تمثل ردود الفعل التي تصدر عن الفرد إزاء الحدث، وبالتالي يتناول هذا الاتجاه الضغط على أنه متغير تابع، بمعنى أن الضغوط هي استجابة للحدث، وهذه الاستجابة قد تعمل مرة أخرى كمثير يؤدي إلى ظهور المزيد من الاستجابات، وهذه الاستجابات متعددة الأوجه حيث تتضمن تغيرات في الوظائف المعرفية والانفعالية والفسيولوجية للجسم، وفي ضوء ذلك فإن هذا الاتجاه يركز على الحالة الداخلية للكائن العضوي، ومن الذين عرفوا الضغط كاستجابة العالم الفسيولوجي هانز سيلاي (1976) Hans Selye، فقد أشار إلى أن كثيراً من العوامل البيئية يحول الجسم عن حالة التوازن مما يحتاج إلى ردود فعل جسمية لاستعادة التوازن، وهذه العوامل تسمى الضواغط Stressors أو مثيرات الضغط، وتتضمن أي شيء يتطلب من الجسم أن يعبئ استجاباته، فالجسم يستجيب للضغوط بجهاز منظم من التغيرات الجسمية والكيميائية التي تعد الفرد للمواجهة، وأن الاستجابة تتكون من تلك المجموعة من ردود الفعل التي أطلق عليها أعراض التكيف العام – GAS- "General Adaptation Syndroms" حيث يقابل الجسم عن طريقها الاعتراض أو التحدي البيئي ليتكيف مع الضغوط التي يواجهها، وتسير أعراض التكيف العام في ثلاث مراحل(الحسين والحسين، 2006، ص:52-56)، ويوضح الأمارة (2006) هذه المراحل التي يمر بها الإنسان عند تعرضه للضغوط وهي:
  المرحلة الأولى: رد فعل للأخطار، حيث يقوم الجهاز العصبي السمبثاوي والغدد الأدرينالينية بتعبئة أجهزة الدفاع في الجسم، إذ يزداد إنتاج الطاقة إلى أقصاه لمواجهة الحالة الطارئة ومقاومة الضغوط وإذا استمر الضغط والتوتر انتقل الجسم إلى المرحلة الثانية.
  المرحلة الثانية: مرحلة المقاومة، عندما يتعرض الكائن للضغوط يبدأ بالمقاومة وجسمه يكون في حالة تيقظ تام، وهنا يقلّل أداء الأجهزة المسؤولة عن النمو، وعند الوقاية من العدوى تحت هذه الظروف، وبالتالي سيكون الجسم في حالة إعياء وضعف ليتعرض لضغوط من نوع آخر هي الأمراض، وإذا ما استمرت الضغوط الأولى وظهرت ضغوط أخرى (الأمراض) انتقل إلى المرحلة الثالثة.
  المرحلة الثالثة: مرحلة الإعياء، لا يمكن لجسم الإنسان الاستمرار بالمقاومة إلى مالا نهاية، إذ تبدأ علامات الإعياء بالظهور تدريجياً وبعد أن يقل إنتاج الطاقة في الجهاز العصبي السمبثاوي يتولى الجهاز العصبي الباراسمبثاوي الأمور فتتباطأ أنشطة الجسم وقد تتوقف تماماً.  وإذا ما استمرت الضغوط يصبح من الصعوبة التكيف لها لتؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو أمراض جسمية تصل حد الموت، (الإمارة، ، 2006).
   ويذكر زهران (1987) أن الاستجابات العضوية للضغوط النفسية مثل التنبهات الهرمونية وإفرازات بعض الغدد وفعاليات الجهاز السمبثاوي المسؤول عن أمن الجسم تلقائياً من حيث السيطرة على جميع أجهزته الحيوية اللاإرادية مثل الجهاز الدوراني والتنفسي والجهاز الغددي والجلد الذي يعمل وقت تعرض الجسم للخطر (ضغط خارجي أو داخلي)، وهو يعلن ما يشبه حالة الطوارئ وذلك بتجهيز طاقاته ووضعها في أعلى درجات الاستعداد وكذلك الجهاز الباراسمبثاوي بإبطاء أو كف عمل بعض أجهزة الجسم (الإمارة ، 2006).
  ولقد قام فونتانا (1989) Fontana بوضع قائمة للتغيرات التي تحدث للكائن الحي عند تعرضه للضغوط وهي على النحو التالي:
1.        تأثيرات فسيولوجية تنتج عند زيادة الضغوط منها:
-   زيادة الأدرينالين بالدم مما يؤذي الجسم – وإذا استمر لمدة طويلة أدى إلى أمراض القلب، واضطراب الدورة الدموية.
-   زيادة إفراز الغدة الدرقية يؤدي إلى زيادة تفاعلات الجسم، وإذا استمر لمدة طويلة يؤدي إلى نقص الوزن، والإجهاد والانهيار الجسمي.
-   زيادة إفراز الكولسترول من الكبد ويؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب (تصلب الشرايين)، تحدث تغيرات في أجهزة الجسم مثل اضطرابات معدية، تفاعلات جلدية، وإقلال مناعة الجسم.
2.   تأثيرات معرفية تنتج عن زيادة الضغوط منها: عدم القدرة على التركيز، وتؤدي إلى قرارات مسرعة وخاطئة تؤدي إلى كثرة الأخطاء مع عدم قدرة الجسم على الاستيعاب، وعدم القدرة على التنظيم والتخطيط، تؤدي إلى تداخل الأفكار مع بعضها البعض.
3.   تأثيرات انفعالية تنتج عن زيادة الضغوط ومنها: حدوث تغيرات في صفات الشخصية، وزيادة التوترات الطبيعية والنفسية، وزيادة الإحساس بالمرض، وظهور الاكتئاب  وعدم تقدير الذات.
4.   تأثيرات سلوكية تنتج عن زيادة الضغوط منها: النسيان والإهمال وزيادة مشاكل التخاطب، واللجلجة والتلعثم وانخفاض مستوى الطاقة والقلق في النوم وإلقاء اللوم على الآخرين  وعدم تحمل المسؤولية (عبد المنعم، 2006، ص: 65-66).
   وتظهر هذه الأعراض عند التعرض للضغوط السلبية، أما التعرض للضغوط الإيجابية فيكون لها تأثير إيجابي على دافعية الفرد، حيث تدفعه إلى تحقيق الذات والأداء الجيد والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين (حسين وحسين، 2006، ص: 47).
   ويذكر إبراهيم (1998) أن هناك بعض المؤشرات أو الإنذارات بوجود ضغوط مرتفعة أو حالات من الإجهاد، وتتطلب اتخاذ بعض الإجراءات لخفض التوتر أو الضغط لكي لا تتحول إلى حالة مرضية عند استمرار وجودها لفترة طويلة.
-       اضطرابات النوم
-       اضطرابات الهضم
-       اضطرابات التنفس
-       خفقات القلب
-       التوجس والقلق على أشياء لا تستدعي ذلك
-       أعراض اكتئابية
-       التوتر والشد العضلي
-       الغضب لأتفه الأسباب
-       التفسير الخاطئ لتصرفات الآخرين ونواياهم
-       الإجهاد السريع 
-       تلاحق الأمراض والتعرض للحوادث  (الإمارة، 2006).

- الاتجاه الثالث:
   يرى كابلان وآخرون، (1993) Kaplan and others، أن الضغوط النفسية هي عبارة عن الاتجاه الجامع للمدخلين السابقين، بالإضافة إلى تأكيده على علاقة الفرد بالبيئة، ومن ثم فهو يصف الضغط بأنه "عملية تفاعلية ودينامية مستمرة بين مثيرات الضغط (المشقة) الموجودة في البيئة من ناحية وبين الفرد من ناحية أخرى".  وقدم هذا الاتجاه كلٍ من "لازاروس وفولكمان" (1984).  فَعرَّفا الضغط بأنه العلاقة الخاصة بين الفرد والبيئة، والتي يُقيمها الفرد على أنها مهددة لذاته ومتجاوزة لمصادرهِ وإمكاناته (شويخ، 2007، ص: 139).

( النضريات المفسرة في الادراج الموالي)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire