jeudi 29 mars 2012

مدخل في دراسة علم النفس النمو



يتناول علم نفس النمو بالدراسة سلوك الأطفال والمراهقين والراشدين والشيوخ ونموهم منذ الإخصاب إلى الممات ، بينما يقتصر علم نفس الطفل والمراهق على سلوك الأطفال والمراهقين .
يعرف النمو على انه العملية التي تتفتح خلالها إمكانات الفرد الكامنة وتظهر في شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية عبر مراحل نمائية متتابعة ، ويتضمن التغيرات الجسمية والفيزيولوجية والعقلية والسلوكية والانفعالية والاجتماعية التي يمر بها الفرد في مراحل نموه المختلفة ، وهي عموما تغيرات في النوع والعدد والحجم والشكل والوظيفة والبناء .
1-أهمية و أهداف دراسة النمو :
تظهر أهمية دراسة النمو من الناحتين النظرية والتطبيقية في التعرف على الطبيعة الإنسانية وتحديد معايير النمو في كافة مظاهره وخلال مراحله المختلفة بما يمكن من زيادة القدرة على توجيه الأطفال والمراهقين والتحكم في العوامل التي تؤثر في نموهم
وتمكن دراسة النمو أيضا من العمل على تربية الأفراد تربية صحيحة وتوجيههم توجيها علميا يعتمد في جوهرة على نتائج الأبحاث التجريبية الموضوعية باعتبارها الدعامة الأولى التي تقوم عليها التربية الحديثة في المنزل والمدرسة والمجتمع
ومن الأهمية أيضا أن معرفة اتجاهات النمو في الطفولة تلقى ضوءا على سنوات المراهقة والرشد، كما أن دراسة هذه السنوات تساعد المعلم على أن يفهم تلميذه كما هو الان من خلال معرفته لما حصل له في الماضي ويعينه في إرشاده ومساعدته في التغلب على مشكلاته .
أما أهداف دراسة النمو فإنها تمكن من اكتشاف المقاييس والمعايير المناسبة لكل مظهر من مظاهر النمو، كمعرفة علاقة الطول بالعمر الزمني وعلاقة الوزن بالطول والعمر وعلاقة لغة الطفل بمراحل نموه... ومن ثم اكتشاف المقاييس المختلفة لكل طور من أطوار الحياة وبذلك يستطيع الباحث أن يقيس النمو النفسي والجسمي والاجتماعي بمقاييس صحيحة  ليكتشف النمو العادي المتوسط والنمو البطيء المتأخر والنمو السريع المتقدم ومعرفة ألوان الشذوذ التي تطرأ على النمو والجنوح الذي يلازم بعض الأطفال في أطوار نموهم بما يمكن من علاجهم وتوجيههم.
هذا ولمعرفة مظاهر النمو ومراحله المختلفة اثر كبير في فهم سيكولوجية العمليات العقلية كالتفكير والتذكر والتخيل ومراحل تطور هذه العمليات من الطفل الصغير إلى الراشد، ونواحي تشابهها واختلافها في كل سنة من سنين الحياة .
كما تهدف دراسة النمو إلى معرفة اثر البيئة والثقافة في نمو الأفراد من خلال الأبحاث المقارنة والسعي إلى توجيه النمو بما يتفق مع قدرات الأفراد وإمكاناتهم ومواهبهم .
2-مناهج البحث في علم نفس النمو:
تقدمت مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو، فقد كانت في أول الأمر قاصرة على الملاحظة والوصف لمظاهر النمو في مراحله المتتابعة و أصبحت الان اكثر دقة  وعلمية ومن بينها :
2-1المنهج التجريبي : وهو أدق المناهج في علم نفس النمو لأنه اقرب إلى الموضوعية بعكس منهج الاستبطان الذي يتصف بدرجة عالية من الذاتية ، ويستطيع الباحث الذي يتبع المنهج التجريبي السيطرة على العوامل التي تؤثر في الظاهرة موضوع الدراسة فيغير منها ما يشاء ويثبت منها ما يريد مما سهل عليه الدراسة ويجعله اقدر على تفهم العلاقات بينها و أثرها في الظاهرة .
تسير الدراسة حسب هذا المنهج في التسلسل الآتي:
-ملاحظة الظاهرة: حيث تبدأ الدراسة بملاحظة ظاهرة من ظواهر النمو تحوم حولها علامات استفهام ويكتنفها الغموض وتحتاج إلى تفسير مع فصلها عن بقية الظواهر المتشابكة معها.
-تحديد المشكلة: وذلك على أساس تعريف وبلورة الظاهرة بوضوح وتجميع علامات الاستفهام التي تحيط بالظاهرة على أساس التعرف العلمي الدقيق على المشكلة
-تبيان الهدف من البحث ومن بين أهداف البحث العلمي مايلي:
-التفسير: باكتشاف الأسباب المحتملة للظاهرة وليس مجرد الاقتصار على الوصف بما يمكن من صياغة تعميمات قابلة للتحقيق تفسر كيف تعمل المتغيرات المتضمنة في الظاهرة.
-التنبؤ: ويعني القدرة على التنبؤ بالطريقة التي سوف يعمل بها التعميم في المستقبل
-الضبط: ويقصد به ضبط الظاهرات والأحداث من خلال التحكم في بعض العوامل الأساسية التي تسبب الظاهرة .
-فرض الفروض: التي تهدي الباحث إلى استكشاف الحقائق العلمية ، والفرض عبارة عن تفسير محتمل للظاهرة وتكهن مؤقت وتخمين ذكي يقف بالباحث على حافة المجهول ويستحثه إلى استجلاء غوامضه .
-التجربة لاختيار الفروض وقياس مدى التغير الذي يطرأ على أحد العوامل نتيجة لتغيير حدة ومدى مؤثر مع تثبيت المتغيرات أو العوامل الأخرى حتى لا تتداخل آثارها في النتائج ويشترط في التجربة أن تكون موضوعية ودقيقة، ويتطلب التجريب استخدام المقاييس المقننة الصادقة الثابتة الموضوعية والاهتمام بضبط بعض المتغيرات مثل المتغير المستقل الذي يدرس آثاره على متغير آخر، والمتغير التابع الذي يتغير بتغير المتغير المستقل و أخيرا المتغير الدخيل الذي قد يؤثر في المتغير التابع والعمل على تثبيته أو عزله .
-النتائج: وذلك بالتوصل إلى نتائج عادة ما تثبت الفروض أو تنفيها وتفسر النتائج في ضوء الإطار النظري المحدد مع الحرص على عدم تحميل معنى نتائج البحوث اكثر مما تعني فعلا .
وتجنب الأخطاء التي قد يقع فيها الباحث من عدم الدقة والذاتية والتسرع في التعميم  و أخطاء المعالجة الإحصائية
-الحقائق: حيث يتوصل الباحث إلى الحقائق المتعلقة بالظاهرة
-القوانين: والتي هي عبارة عن علاقة أو صلة أساسية مطردة بين عوامل أو متغيرات أو خواص معينة .
-النظرية العلمية: وهي التي تقدم تفسيرا للظاهرة ومن أهم شروطها الإيجاز والشمول والانفراد والتنبؤ.
2-2 المنهج الوصفي:
ويهدف إلى جمع أوصاف دقيقة علمية للظاهرة  موضوع الدراسة في وضعها الراهن والى دراسة العلاقات التي توحد بين الظاهرات المختلفة ومن أهم طرق المنهج الوصفي المتبعة في علم نفس النمو ما يلي:
2-2-1الملاحظة العلمية:  وتعتبر موردا خصبا للحصول على معلومات وبيانات تتصل بالسلوك وتعتمد على استخدام وسائل مثل التسجيل والتصوير والمقابلة .
وقد تكون الملاحظة مباشرة ومنظمة خارجيا أو داخليا  وقد تكون عرضية أو عفوية تأتى بالصدفة، ومن الأفضل ضبط عملية الملاحظة وتقنينها ومن الضروري تقرير نتائج الملاحظة بأسلوب معياري مقنن بالاستعانة بالطرق الإحصائية بحيث تصبح النتائج ذات معنى ومفيدة .
2-2-2-الطريقة الطولية: وهي من أقدم وأبسط طرق البحث في علم نفس النمو وفيها يتتبع الباحث النمو النفسي من كافة مظاهره لفرد أو جماعة من الأفراد على طول فترة زمنية معينة وقد تمتد الفترة إلى عشرات السنوات أو أكثر ، حيث يتتبع الباحث التطور أو التغيير الذي يطرا على الأفراد في الأعمار المتتابعة بالنسبة لمظاهر النمو المختلفة وهذه الطريقة هي التي اتبعها جيزل Gesell في دراساته حيث وجدها انسب الطرق
2-2-3-الطريقة المستعرضة: وفيها يدرس الباحث مظاهر النمو المختلفة في عينه ممثله كبيرة العدد في سن معينة ويطبق عليهم وسائل الحصول على المعلومات والبيانات الخاصة بمظاهر النمو في هذه السن ويحصل على الصفات العامة التي تميز النمو وتعتمد على الاختبارات والمقاييس والطرق الحديثة للقياس النفسي، وميزتها أنها توفر الكثير من الوقت والجهد والمال وتعطي نتائج سريعة .
ومن بين الذين استخدموا هذه الطريقة جان بياجيه J.Piaget كما فعل في دراسة اللغة عند الأطفال في الأعمار الزمنية المختلفة, إلا انه ينبغي التأكيد على أن الطريقة الطولية والطريقة المستعرضة طريقتان متكاملتان يحسن أن يستعان بهما في دراسة الموضوع الواحد .
03-المبادئ العامة للنمو:
يسير النمو وفق مجموعة من المبادئ يمكن التعرف عليها ودراستها وهي ضرورية لفهم السلوك وتوجيهه وهي:
3-1-يسير النمو حسب نظام مطرد، إلا أن سرعته ليست ثابتة في كل فترات النمو " إذ يكون سريعا في حالة بعضها وبطيئا في حالة البعض الآخر، ويختلف معدل النمو من طفل إلى آخر ولكن تسلسل النمو موحد لدى كل الأطفال .
يتميز هذا التسلسل بانه متسارع في المراحل الأولى من العمر ثم يتباطأ في الطفولة اللاحقة ويعود إلى التسارع في فترة المراهقة ثم يتباطأ بعد ذلك .وفي الوقت الذي تظهر فيه تغيرات كبيرة ومتعددة أثناء التسارع في النمو لا نلمح هناك تغيرات تذكر في فترة التباطؤ .
3-2-كل جزء أو جهاز من الجسم له خط سير نمائي خاص به فالمنحى العصبي المتعلق بنمو الجهاز العصبي والذي يتضمن  اتجاه النمو للرأس والأعصاب والحبل الشوكي والعين يتميز بنمو سريع في الطفولة الأولى لا يلبث أن يتحول إلى نمو أبطا أثناء الطفولة المبكرة والمراهقة .
أما منحى النمو الجسمي الذي يتضمن صفات سهلة الملاحظة كطول اليدين والرجلين والوزن والطول والشكل العام للجسم فيتميز بان معدل النمو يكون سريعا أثناء فترة الحضانة ثم يصبح ابطا في فترة الطفولة الأولى ثم يتسارع ثانية أثناء البلوغ، وتسبق الإناث الذكور حوالي سنة في المتوسط ثم يعود معدل نموهن إلى التباطؤ في المراهقة المتأخرة  ليتوازى مع نمو الذكور .
3-3-يسير النمو حسب نمط معين ويتجه من الرأس إلى القدمين ومن المركز إلى الأطراف ويشير هذا المبدأ إلي نمط واضح في النمو الجسمي خاصة في مراحل تكون الجنين حيث يلاحظ أن التسارع الكبير يبدأ في نمو الرأس بالنسبة إلى الجذع والأطراف ثم يبدأ في الجذع بعد الرأس وعندما يتباطأ نمو الجذع يتسارع نمو القدمين .
3-4-هناك ترابط بين مظاهر النمو المختلفة فالنمو العقلي والانفعالي يتأثران إلى حد كبير بالنمو الاجتماعي والجسمي فنقصا ظاهرا في الطول أو الزيادة المفرطة في السمنة تؤدي بالطفل إلى الخجل والانعزال، كما يرتبط النمو الحركي بالنمو العصبي والنمو العقلي مرتبط بالنمو اللغوي والحركي وهذا يعني الآن مظاهر النمو المختلفة تعمل في انسجام وتوافق .
3-5-يسير النمو من العام إلي الخاص ، فالسلوك يبدأ من النشاط الإجمالي العام إلى الاستجابات الأكثر تركيزا وأكثر تخصصا فالضبط الحركي الفعال يمارس أولا على العضلات الرئيسية التي ترفع الرأس ثم يأتي بعدها التحكم في عضلات الذراعين والكتفين ثم عضلات البطن وفيما بعد يتم التحكم في عضلات الأرجل.
3-6-أن جميع الأطفال يمرون عادة ينفس مراحل النمو المختلفة حسب التسلسل الذي تظهر فيه هذه المراحل مع إنهم لا يصلون كل مرحلة منها في نفس العمر ، فكل الأطفال يجلسون أولا ثم يحبون وبعدما يقفون فيمشون، فيركضون إلا أن معدل النمو يختلف من طفل لأخر رغم تساويهم في العمر الزمني وهذا يعتمد على سرعة النمو والاستعدادات الخاصة بذلك.
3-7-ينمو الأفراد المختلفون بسرع مختلفة ويعود ذلك إلى اختلافات في وراثة الأفراد واختلافات بيئاتهم، وتظهر الاختلافات واضحة في سن المشي والكلام  والتنسيق ومراحل اللعب.
3-8-ينظر إلى النمو على أساس مراحل نمائية مختلفة، لكل مرحلة  خصائص مميزة تفرقها عن المراحل الأخرى، إلا أن كل مرحلة نمائية تعتمد على النمو السابق وتحدد به و بالتالي تقدم الأساس للمراحل  اللاحقة .
3-9-هناك مهمات على الفرد أن يتعلمها في مراحل معينة دون الأخرى فإذا تعلمها في الفترة الأنسب أدت إلى راحته ونجاحه في تعلم المهمات اللاحقة ،أما الفشل في تعلم هذه المهمات فانه يقود إلى عدم الراحة والى الصعوبة في تحقيق المهمات اللاحقة .
وقد اقترح عالمان هما روبرت هافجهرست و أريك أر يكسون قائمتين للمهمات النمائية التي يجب تحقيقها في مراحل النمو المختلفة ( انظر التطبيق) .
4-العوامل المؤثرة في النمو :
يتأثر النمو في مظاهره المختلفة بعوامل عدة أهمها الوراثة والبيئة وفيما يأتي تفصيل ذلك :
4-1-الوراثة: وهي انتقال السمات من الوالدين إلى أولادهما وتمثل كل العوامل الداخلية التي كانت موجودة عند بدء الحياة أي الإخصاب، وتوضح دراسات الوراثة أن الإمكانات الكامنة وليست السمات والخصائص هي التي تورث وتعتبر الوراثة عاملا هاما يؤثر في النمو من حيث صفاته ومظاهره ونوعه ومدى زيادته ونقصانه ونضجه وقصوره ويتوقف معدل النمو على خصائص النوع ، تتنقل الخصائص الوراثية من الوالدين عن طريق المورثات
 ( الجينات) التي تحملها الصبغيات ( الكروموزمات)  التي تحتويها البويضة الأنثوية المخصبة من الحيوان المنوي الذكري، بعد عملية الجماع والإخصاب .
وتبين الوراثة أن الخصائص الجسمية للأطفال يمكن التنبؤ بها من الخصائص التي نعرفها في الوالدين ولكن في نفس الوقت نجد أن بعض الأطفال يختلفون عن الوالدين اختلافا  جوهريا بسبب وجود سمة وراثية متنحية من جيل سابق .
وتختلف الصفات الوراثية باختلاف الجنسين ، أي أن بعض الصفات الوراثية ترتبط بجنس دون اخر مثل الصلع الذي يظهر فقط عند الذكور بعد البلوغ وتتنحى ولا تظهر لدى الإناث .
وهناك الصفات الوراثية الخالصة مثل لون العينين وعمى الألوان ولون الجلد ونوع الشعر وفصيلة الدم وهيئة الوجه وملامحه وشكل الجسم وهناك بعض الأمراض التي تنتقل بالوراثة ومعظمها تنقلها جينات متنحية مثل النزاف والبول السكري ....
4-2-البيئة: يمثل البيئة كل العوامل الخارجية التي تؤثر تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على الفرد منذ الإخصاب وتشمل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وللبيئة دور كبير إيجابي حيث تسهم في تشكيل شخصية الفرد وفي تعيين أنماط سلوكه وأساليبه في مجابهة مواقف الحياة .
فالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل منذ ولادته تشكله اجتماعيا وتحوله إلى شخصية اجتماعية متميزة وكذلك الطبقة الاجتماعية والخلفية الاقتصادية والتربوية للفرد وتوجيهه النفسي والفرص المتاحة لها تؤثر كلها في عملية النمو .
ومن بين تلك العوامل المؤثرة التعليم والوسط الثقافي الذي ينمو في إطاره الفرد، وتسهم البيئة الحضرية في عملية النمو الاجتماعي للفرد مثل اختلاف الأدوار الاجتماعية للجنسين باختلاف الحضارات.كما تؤثر البيئة الجغرافية بما تفرضه من ظروف طبيعية واقتصادية وبشرية في النمو ومن الخصائص البيئية الخالصة نجد المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية ، وعموما كلما كانت البيئة صحية ومتنوعة كلما كان تأثيرها حسنا في النمو وكلما كانت البيئة غير ملائمة أثرت تأثيرا سلبيا في النمو .
4-3-الوراثة والبيئة: يكاد يكون من الصعب فصل اثر الوراثة عن البيئة ، وتتفاعل العوامل الوراثية والعوامل البيئية في تحديد صفات الفرد وفي تبيان نموه ومستوى نضجه وأنماط سلوكه ومدى توافقه وشذوذه، والى جانب الخصائص الوراثية الخالصة والصفات البيئية الخالصة توجد هناك سمات تتأثر بالوراثة والبيئة معا وهي في معظمها استعدادات وراثية تعتمد على البيئة في نضجها وتتأثر بها ومن أمثلة ذلك الذكاء والتحصيل..
وقد أجريت بحوث كثيرة لدراسة الأثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في نمو الأطفال وذلك بدراسة التوائم المتماثلة حيث يتساويان من حيث العوامل الوراثية وإذا تربيا في بيئة واحدة تكون سمات الشخصية متقاربة لديهما إلى حد كبير أما إذا تربيا في  بيئتين مختلفتين فإن تأثير البيئة يتضح في اختلاف سمات شخصية كل من التوأمين .
وبصفة عامة فإن الوراثة لا تصل إلى مداها الصحيح إلا في البيئة المناسبة لها ولهذا على المربين أن يعملوا على تهيئة العوامل البيئية المساعدة على نمو استعدادات الفرد الوراثية .
5-مفهوم مرحلة النمو:
يحدث النمو في كافة مظاهره في شكل تغيرات وتطورات يتعرض لهالا الفرد النامي جنينا فوليدا فرضيعا فطفلا فمراهقا فراشدا فكهلا فشيخا ، ورغم أن حياة الإنسان تكون وحدة واحدة إلا الآن نمو الفرد العادي يمر بمراحل تتميز كل منها بخصائص واضحة .
ويختلف العلماء في تحديد مراحل النمو من حيث بدايتها ونهايتها، فليس هناك من مقياس خارجي موضوعي تخضع له هذه التقسيمات و إنما هي تخضع في كثير من الأحيان إلى مجموعة من الافتراضات أو المسلمات التي تدعمها بعض المعطيات السيكولوجية أو بعض الاعتبارات العملية  ومنه فإن   مفهوم المرحلة في النمو يشير إلى فترة زمنية محددة اعتباريا لها بدايتها ونهايتها ومن أكثر التقسيمات شيوعا تلك التي تربط مراحل النمو بمراحل التربية والتعليم كما يلي:
المرحلة
العمر الزمني
تربويا
ما قبل الميلاد
من الإخصاب إلى الميلاد
الحمل
المهد
الميلاد-أسبوعين
الوليد

أسبوعين-عامين
الرضاعة
الطفولة المبكرة
5.4.3 سنوات
ما قبل المدرسة الحضانة
الطفولة الوسطى
8.7.6 سنوات
المرحلة الابتدائية الصفوف الأولى الثلاثة
الطفولة المتأخرة
11.10.9 سنة
المرحلة الابتدائية الصفوف الثلاثة الأخيرة
المراهقة المبكرة
14.13.12 سنة
المرحلة الإعدادية
المراهقة الوسطى
17.16.15 سنة
المرحلة الثانوية
المراهقة المتأخرة
20.19.18 سنة
التعليم العالي
الرشد
22---60 سنة

الشيخوخة
من60 سنة فما فوق


6- أهم المفاهيم والمصطلحات المتداولة في علم نفس النمو:
6-1 النضج: يتضمن النضج عمليات النمو الطبيعي التلقائي التي يشترك فيها الأفراد جميعا والتي تتمخض عن تغيرات منتظمة في سلوك الفرد بصرف النظر عن أي تدريب أو خبرة سابقة أي أنه أمر تقرره الوراثة وان الأطفال ينضجون بمعدلات مختلفة ومن ثم فإن الطفل يتعلم سريعا إذا وصل إلى مرحلة من النضج تؤهله إلى التعلم، أما إذا أجبر على تعلم مهارة من غير أن يكون قد نضج بشكل كاف وبدون أن يكون قد اكتسب الخلفية اللازمة من الخبرة الضرورية لتعلمها فإن هذا الطفل قد يحبط وقد يطور اتجاهات سلبية نحو المهارة وربما نحو التعلم والمدرسة، ويرتبط النضج بالاستعداد لذلك على المعلم أن يراعي الفترات التي يكون فيها الطفل مستعدا للتعلم مع مراعاة نضجه.
6-2- الاستعداد: يعرف الاستعداد على انه مزيج من عوامل النمو الداخلي ومن نتائج التدريب والخبرة، وعلى هذا فإن إعداد الطفل للقراءة يتطلب أكثر من أن ندعه ينمو فحسب ذلك آن استعداد الطفل للتعلم  عمل لا يتوقف على النضج الجسمي والعقلي  بل يتطلب  نموا عاطفيا واجتماعيا يحصل عليه بما تهيؤ له البيت أو المدرسة.
ويظهر دور البيئة ومؤثراتها في استعداد كل تلميذ ولكن بالرغم من تعقد مشكلة الاستعداد وصعوبة تحديد أعمال معينة لمستوى عقلي معين فإن ذلك لا يقلل من أهمية الحرص على أن يتناسب البرنامج الدراسي مع مرحلة النمو لتلاميذ المرحلة الدراسية، وأن يراعي استعدادهم لتعلم الأمور المطلوبة.
6-3 الفترة الحرجة: ظهر مفهوم الفترة الحرجة ليؤكد على أهمية الخبرة التربوية الباكرة في النمو اللاحق، حيث تؤدي البيئة الغنية التي ينمو فيها الفرد إلى زيادات دائمة في النمو، بينما تؤدي البيئة المحرومة إلى تخلف دائم، فالأطفال الذين لا يحصلون على العناية الكافية والانتباه اللازم باعتباره مطلبا أساسيا للنمو يصبحون متخلفين في عدد من الميادين وإنهم يمكن أن يظهروا تحسنا في سلوكهم إذا زودوا بخبرات مكثفة.(انظر مزيدا من التوسع في الجزء الخاص بالأعمال الموجهة).

6-4 الفروق الفردية: تعرف الفروق الفردية بأنها الانحرافات الفردية عن المتوسط الجماعي في الصفات المختلفة.
أي أنها تعبر عن الاختلافات في درجة وجود الصفة( جسمية ام نفسية) لدى الأفراد مقاسة بالدرجة المئينية إذا كان الهدف هو معرفة الفروق الفردية بين الأفراد وتحديد مستوى كل فرد في صفة معينة، ومقاسة بالدرجة المعيارية إذا كان الهدف هو معرفة الفروق الفردية داخل الفرد في أكثر من صفة، لأنه من خصائص الدرجات المعيارية لأي توزيع تكراري أن متوسطها يساوي صفرا و انحرافها المعياري يساوي واحدا.
والفروق إما أن تكون في نوع الصفة وإما أن تكون في درجة وجودها فاختلاف الطول عن الوزن اختلاف في نوع الصفة واختلاف الأطوال هو اختلاف في الدرجة.
والفروق الفردية عموما فروقا كمية وليست نوعية أي أن الفرق بين شخص وأخر لا يعني أن أحدهما لديه قدرات لا تتوافر بالمرة في الشخص الأخر ولكنها تعني أن جميع هذه القدرات متوافرة في كل فرد وأن الفرق ينحصر في مقدار توافر القدرة أو السمة في كل فرد.
6-5 مطالب النمو في مرحلة الطفولة:  
إن للنمو في مرحلة الطفولة متطلبات عديدة تكفل تشكيل أساس الشخصية الإنسانية لهذا الطفل والتي في حال عدم توافرها أو حتى بعض منها فإنها ستؤدي حتماً إلى خلق شخصية غير سوية لهذا الطفل. ولعل أبرز هذه المتطلبات:
-المحافظة على الحياة.
- تعلم المشي.
-تعلم استخدام العضلات.
-تعلم الأكل.
- تعلم الكلام.
- تعلم ضبط الإخراج وعاداته.
- تعلم التمييز بين الجنسين.8. تعلم المهارات الجسمية الحركية اللازمة.
- تحقيق التوازن الفسيولوجي
- تعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة.
- تعلم المهارات العقلية المعرفية الأخرى اللازمة لشؤون الحياة اليومية وتعلم الطرق لواقعية في دراسة البيئة والتحكم فيها.
- تعلم قواعد الأمن والسلامة.
-. تعلم ما ينبغي توقعه من الآخرين.
-تعلم التفاعل الاجتماعي مع رفاق السن وتكوين الصداقات والاتصال بالآخرين والتوافق الاجتماعي.
-تكوين الضمير وتعلم التمييز بين الصواب والخطأ والخير والشر وتحريك الوازع الديني والأخلاقي في نفس الطفل.
-تعلم الدور الجنسي في الحياة.
- تكوين اتجاهات سليمة نحو الجماعات والمنظمات الاجتماعية.
- تكوين المفاهيم والمدركات الخاصة بالحياة اليومية.
-تعلم المشاركة في المسئولية.
- تعلم ممارسة الاستقلال الشخصي.
- تكوين مفاهيم بسيطة عن الواقع الاجتماعي.
- نمو مفهوم الذات واكتساب اتجاه سليم نحو الذات والإحساس بالثقة في الذات وفي الآخرين.
-تحقيق الأمن الانفعالي.
-تعلم الارتباط الانفعالي بالوالدين والإخوة وباقي أفراد المجتمع.
-تعلم ضبط الانفعالات وضبط النفس.
خصائص النمو في مرحلة الطفولة:
سوف نقصر البحث في هذا الجانب على مجموعة من الجوانب الأساسية هي النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي والنفسي، نظراً لارتباطها الوثيق بموضوع البحث. وليس معنى ذلك أن الجوانب الأخرى لا تأثير لها، إنما لكونها بعيدة نوعاً ما عن موضوع بحثنا هذا، ذلك أن لكل جانب من جوانب النمو أثره المباشر أو غير المباشر في تكوين الشخصية ونمو السلوك.
أولاً: النمو العقلي:
يمثل الطـفل في هذه المرحلة علامة اسـتفهام حية بالنسبة لكل ما يحيط به. ويحاول في هذه الفترة (2 ـ 5 سنوات) الاستزادة العقلية المعرفية واستكشاف الأشياء التي تثير انتباهه إضافة إلى الخبرات التي يمر بها. ويؤكد ذلك سلوك حب الاستطلاع لدى الأطفال وتكوين المفاهيم كمفهوم الزمن والعدد والمكان... الخ. ويطَّرد نمو الذكاء حيث يكون إدراك العلاقات والمتعلقات عملياً بعيداً عن التجريد، ويمكن للطفل أن يلجأ إلى التعميم ولكن في حدود ضيقة. ويقول العالم النفسي (جان بياجيه)"إن الذكاء في هذه المرحلة وما بعدها يكون تصورياً تستخدم فيه اللغة بوضوح ويتصل بالمفاهيم والمدركات الكلية، إضافة إلى زيادة حدة الفهم والتعلم من الخبرة، وتركيز الانتباه ونمو الذاكرة والقدرة على التخيّل الإيهامي أو الخيالي وأحلام اليقظة. ويكون التفكير في هذه المرحلة ذاتياً حيث يدور فيه الطفل حول نفسه ويتجه إلى التفكير الخيالي البعيد عن الواقع والمنطق".
وفي الفترة 6 ـ 8 سنوات يؤثر الالتحاق بالمدرسة في نمو الطفل، وتستمر قدراته العقلية في النمو السريع فيتعلم الطفل المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب ويحب الكتب والقصص ويهتم بمواد الدراسة. ويطَّرد نمو الذكاء والتذكر الذي ينمو من التذكر الآلي إلى الفهم حيث تزداد قدرة الطفل على الحفظ وزيادة الانتباه وحدته. وينمو التخيل من الإيهام إلى الواقعية والإبداع والتركيب. ويتطور اهتمام الطفل بالواقع والحقيقة وحب الاستطلاع. ومن الملاحظ أن الطفل في هذه المرحلة لا يزال متمركزاً حول ذاته ولا تزال معظم مفاهيمه بسيطة مبهمة. ولكن بمرور الزمن تحدث تغيرات مهمة حيث التقدم في المفاهيم من البساطة إلى التعقيد ومن المفاهيم المبهمة إلى المفاهيم المتمايزة، والتقدم من المفاهيم المتمركزة حول الذات إلى المفاهيم الأكثر موضوعية ومن المادية المحسوسة الخاصة إلى المجردة المعنوية العامة، والتقدم من المفاهيم المتغيرة نحو الأكثر ثباتاً.
أما بالنسبة لمظاهر النمو العقلي في مرحلة الطفولة المتأخرة (9 ـ 11) فتتلخص في اطراد نمو الذكاء حيث يبلغ الطفل حوالي نصف إمكانيات نمو ذكائه في المستقبل. كما تتميز الدراسات الخاصة عن الذكاء والقدرة العقلية العامة. وتنمو مهارة القراءة بحيث يحب الطفل القراءة بصفة عامة ويستطيع أن يقرأ لنفسه ما يجذب اهتمامه للقراءة. وتتضح بصورة تدريجية القدرة على الابتكار والتي تمثل التفكير والعمل الإبداعي الجديد غير العادي كما لخصه. ومن ناحية أخرى، يستمر التفكير المجرد في النمو ويقوم على استخدام المفاهيم والمدركات الكلية، ويستطيع التفسير بدرجة أفضل من ذي قبل. أضف إلى ذلك التقييم وملاحظة الفروق الفردية. ويزداد مدى الانتباه ومدته. كما يتجلى التخيل الواقعي الإبداعي وتزداد القدرة على التعلم ونمو المفاهيم التي يزداد تعقدها وتمايزها وموضوعيتها وتجريدها وعموميتها وثباتها. وفي هذه المرحلة يتحمس الطفل إلى معرفة البيئة المباشرة ويزداد لديه حب الاستطلاع والاستكشاف، والنقد الموجه إلى كبار السن، والنقد الذاتي حيث يتحدى الأفكار بأسلوب جدلي.
ثانياً: النمو الانفعالي:
ينمو السلوك الانفعالي في هذه المرحلة نمواً تدريجياً وتكون له هذه المظاهر المميزة:
يزداد تمايز الاستجابات الانفعالية الجسمية. وتمتاز انفعالات هذه المرحلة بالشدة والمبالغة. هذا بالإضافة إلى التنوع والانتقال من انفعال لآخر. ويتركز كل الحب في هذه المرحلة حول الوالدين، وتظهر الانفعالات المتمركزة حول الذات كالخجل والإحساس بالذنب ومشاعر الثقة بالنفس والشعور بالنقص ولوم الذات.
ويتغير الخوف في هذه المرحلة بالزيادة أو النقصان نتيجة الشعور بالأمن والقدرة على التحكم في البيئة. وتظهر نوبات الغضب المصحوبة بالاحتجاج اللفظي أحياناً وبأخذ الثأر والانتقام أحياناً أخرى، وتصحب هذه النوبات حالات عناد ومقاومة وعدوان تزداد وتتخذ شكلاً ملحوظاً عند حرمان الطفل من إشباع حاجاته المختلفة.
وتتأرجح نيران الغيرة في نفس طفل هذه المرحلة عند قدوم طفل جديد للأسرة، حيث يشعر الطفل بتهديد رهيب لمكانته وموقعه في الأسرة. وفي نهاية هذه المرحلة يميل الطفل إلى الاستقرار الانفعالي.
أما مرحلة الطفولة الوسطى (6 ـ 8 سنوات) فيبرز فيها النمو من سرعة الانتقال من حالة انفعالية إلى أخرى إلى الثبات والاستقرار الانفعالي. إلا أن الطفل في هذه المرحلة لا يصل إلى النضج الانفعالي إذ أنه لا يزال قابلاً للاستثارة الانفعالية لوجود بقايا من الغيرة والتحدي والعناد.
ويتعلم الطفل في هذه المرحلة كيفية إشباع حاجاته بطرق مجدية وبنّاءة أكثر من إشباعها عن طريق نوبات الغضب. وتتكون لديه العواطف والعادات الانفعالية فيبدي الحب ويحاول الحصول عليه بكافة الوسائل مما يؤدي إلى تحسين علاقاته الاجتماعية والانفعالية مع الآخرين. ويتجه لمقاومة النقد وفي الوقت نفسه يميل إلى نقد الآخرين ويشعر بالمسئولية، ويستطيع تقييم سلوكه الشخصي.
ويعبر الطفل في هذه المرحلة عن الغيرة بمظاهر سلوكية كالضيق والتبرم ممن يسبب له هذا الشعور. ومن الملاحظ أن مخاوف الطفل في هذه المرحلة تكون بدرجات متفاوتة. ويمكن أن تشاهد للطفل نوبات من الغضب خاصة في مواقف الإحباط.
ويتميز النمو الانفعالي في مرحلة الطفولة المتأخرة(9 ـ 11 سنة)بمحاولة الطفل التخلص من الطفولة وشعوره بأنه قد كبر. وتمثل هذه المرحلة مرحلة الاستقرار والثبات الانفعالي التام، ويلاحظ ضبط الانفعالات ومحاولة السيطرة على النفس وعدم إفلات الانفعالات إضافة إلى وضوح الميل للمرح ونمو الاتجاهات الوجدانية.
وتقل مظاهر الثورة الخارجية حيث يتعلم الطفل كيفية التنازل عن حاجاته العاجلة التي يمكن أن تغضب والديه. ويكون التعبير عن الغضب عند طفل هذه المرحلة بالمقاومة السلبية والتمتمة ببعض الألفاظ وتغير تعابير الوجه. كما يعبر عن الغيرة بالوشاية ومحاولة الإيقاع بالشخص الذي يغار منه. ويحاط الطفل ببعض مصادر القلق والصراع، ويستغرق في أحلام اليقظة، وتقل مخاوفه. ويصبح الميول عنده أكثر تخصصية وموضوعية فلا يهتم بعمل إلا إذا كان يميل إليه.
ثالثاً: النمو الاجتماعي:
من أهم مطالب النمو الاجتماعي في هذه المرحلة أن يتعلم الطفل كيف يعيش مع نفسه وكيف يعيش في عالم يتفاعل فيه مع غيره من الأشخاص والأشياء إضافة إلى نمو الإحساس بالثقة التلقائية والمبادلة والتوافق الاجتماعي.
ومن أهم مظاهر النمو الاجتماعي في سن (2 ـ 5 سنوات) استمرار عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة وازدياد وعي الطفل بالبيئة الاجتماعية ونمو الألفة وزيادة المشاركة الاجتماعية. هذا بالإضافة إلى اتساع دائرة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية.
ويتعلم طفل هذه المرحلة المعايير الاجتماعية التي تنمي لديه الوعي والإدراك الاجتماعي. وعلى صعيد آخر تنمو الصداقات حيث يبدأ الطفل بمصادقة غيره من الأشخاص مع بعض التحفظات. ويميل الطفل في نهاية هذه المرحلة إلى حب مساعدة والديه والآخرين، وتكون هذه المساعدة مصحوبة بكم كبير من الطلبات. أما الزعامة فإنها تكون وقتية لا تكاد تظهر حتى تختفي. ويحرص الطفل على المكانة الاجتماعية حيث يهتم بجذب انتباه الراشدين ومعرفة أوجه نشاطهم ولكن يعكر صفو ذلك بعض العدوان والشجار في شكل صراخ وبكاء.
ويتلوّن سلوك الطفل في هذه المرحلة بالأنانية والميل إلى المنافسة والعناد، كما يميل الطفل إلى الاستقلال في بعض الأمور الحياتية كتناول الطعام والملبس... إلخ، إلا أنه يبقى معتمداً على الآخرين في أمور كثيرة.
وينمو في هذه الفترة الضمير، وتبرز (الأنا العليا) التي يتضمنها الشعور والإحساس بما هو خير أو شر، محظور أو مباح... الخ. يضاف إلى ذلك سلامة التوافق مع الظروف البيئية الاجتماعية المختلفة واضطراب السلوك عند حدوث اضطراب أو تذبذب في معاملة الكبار والقلق من جراء فقد الرعاية.
هذا ويمتاز نمو الطفل في هذه المرحلة بالتوحد والتقمص، أي أن الطفل يشعر وكأن خصائص أحد والديه ـ عادةً ما يكون المماثل في الجنس ـ خصائصه هو.
ويمتاز هذا النمو في مرحلة الطفولة الوسطى بعدة خصائص كاستمرار عملية التنشئة الاجتماعية حيث تكون طاقات الطفل على العمل الجماعي ما زالت محدودة وغير واضحة. كذلك اتساع دائرة الاتصال الاجتماعي وازدياد تشعبها. وتزداد الصداقات لدرجة أن اللعب يكون أغلبه جماعيا مما يترتب عليه زيادة التعاون بين الطفل ورفاقه أو المنافسة الفردية والجماعية.
ويحصل طفل هذه المرحلة على المكانة الاجتماعية ويتميز بسعيه نحو الاستقلال وتعديل السلوك بحسب المعايير والاتجاهات الاجتماعية. كما تتسع دائرة الميول والاهتمامات وينمو الضمير والوعي الاجتماعي أكثر فأكثر. وقد يضطرب السلوك بسهولة إذا حدث أي صراع أو خلل في المعاملة من قبل الكبار.
وللنمو الاجتماعي في مرحلة الطفولة المتأخرة خصائص ومميزات أخرى تتلخص في زيادة احتكاك الطفل بجماعات الكبار واطراد عملية التنشئة الاجتماعية. هذا بالإضافة إلى زيادة تأثر الطفل بجماعة الرفاق حيث يكون التفاعل الاجتماعي على أشده ويشوبه التعاون والتنافس الفردي والجماعي وتنمو فردية الطفل وشعوره بفردية الآخرين إضافة إلى زيادة الشعور بالمسئولية والقدرة على الضبط الذاتي مما يمثل المحدد للسلوك المعبر عن الإيثار والكرم ومساعدة الآخرين.
وتتغير الميول وأوجه النشاط الطفولية إلى الاستقلال وحب الخصوصية، ويقل اعتماد الطفل على الكبار كما يطرد نمو الاستقلال ويتوحد الطفل في هذه المرحلة مع الدور الجنسي المناسب أو تبني الدور الجنسي، أي عملية التوحد مع شخصية من نفس الجنس. ويظهر في هذه المرحلة التوحد مع الجماعات وابتعاد كل من الجنسين في صداقته عن الجنس الآخر.
ومما سبق نجد أن الطفل في مرحلة الطفولة برتبها المختلفة يتدرج نحو تحقيق التوافق الاجتماعي الذي يمثل علاقة متناغمة مع البيئة تتضمن القدرة على إشباع أغلب حاجات الطفل والإجابة على أكثر المتطلبات الطبيعية والاجتماعية حيث يسعى الطفل للتعايش وفقاً للجماعات المحيطة به.
أما عدم التوافق فإنه ينشأ من صعوبة ملاحقة التغيرات في الوسط الاجتماعي والوقوف عند مرحلة أو فترة معينة.
رابعاً: النمو النفسي والحاجات النفسية:
تسيطر الدوافع الفسيولوجية على الطفل في سنواته الأولى، ومع نمو الجهاز العصبي والذكاء والملاحظة التي يقوم بها الطفل في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه تظهر مجموعة من الحاجات النفسية التي تتوقف على بقاء الطفل في هذا الوسط، وأهم هذه الحاجات:
1. الحاجة إلى الأمن: وهي القوة التي تدفع الفرد لالتماس الاطمئنان على حياته الحاضرة ومستقبله بأي سلوك يكفل له تحقيق هذا الأمن. وهي التي تدفعه إلى البحث والتنقيب واستكشاف المجهول رغبة في الاطمئنان من ناحيته.
2. الحاجة إلى الحب: وهي القوة التي تدفع الطفل نحو التماس المودة والتقرب من غيره وهي في الوقت نفسه تمنحه فرصة الاندماج في المجتمع اندماجاً فعلياً.
3. الحاجة إلى المعرفة: وهي القوة التي تدفع الطفل إلى وضع كل ما يجده في فمه ليتعرف على ذوقه وطعمه، أي أنها القوة التي تدفع بالإنسان نحو التعلم والإطلاع والبحث. وتزيد هذه الحاجة بزيادة ما يحصل عليه الفرد من معرفة، فهي تشبع بمجرد إرضاء رغبة معينة.
4. الحاجة إلى التقدير والنجاح: وهي القوة التي تدفع الطفل إلى النجاح في العمل المعهود به إليه ليحوز على الإعجاب من قبل الوسط المحيط به إضافة إلى زيادة الثقة بالنفس وعلو القيمة الذاتية.
5. الحاجة إلى الاجتماع: وهي القوة التي تدفع الطفل إلى الاجتماع بالأفراد الآخرين رغبة في الشعور بالألفة نظراً لما تضفيه الحياة الاجتماعية على الأفراد من قوة واطمئنان للمستقبل وإشباع لمختلف الحاجات النفسية الأخرى.
6. الحاجة إلى الانضباط: وهي تتضح في ميل الأطفال إلى من يضع لهم القيود لحريتهم، فهم يحبون الحرية ولكنهم يضيقون بها إذا كانت مطلقة لأن إطلاقها يجعلها من نصيب الأقوياء دون غيرهم بينما تقييدها بحدود معينة يتيح للجميع فرصة التمتع بها. ولذا يفضل الأطفال المدرّس في بعض الأحيان على الوالدين إذ أنه يضع لهم حدوداً معينة يلزمهم بإتباعها ويعاقب الخارجين عليها.
      

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire